في إطار نشاطاته الأكاديمية والعلمية، نظم مختبر الأنتروبولوجيا التابع لمركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية، محاضرة بعنوان: المواطنة في مجتمع متعدد، مسؤولية قيمية على رجال الدين، ألقاها الشيخ دانيل عبد الخالق، رئيس جمعية معاً من أجل الإنسان، والشيخ دانيل محاضر في جامعة القديس يوسف وناشط في مجال العلاقات الإسلامية-المسيحية.
استهل الشيخ دانيل مداخلته بالحديث عن التنوع في المجتمع البشري عامة، وكيف أنه أمر واقعي وطبيعي في الوجود لا بديل عنه وكيف أن الأديان كفلت هذا التنوع في عديد من الآيات المقدسة، وهذا التنوع موجود في مجتمعنا في شكل يحتم علينا التحلي بكثير من المسؤولية لإبقائه منارة وثروة فكرية والا تحول الى بيئة خصبة لشتى أنواع المفاسد. بعد ذلك انتقل الى شرح علمي حول العلاقة بين القواعد الوضعية التي يسنها الأنبياء والمفكرون وبين القيم الانسانية السامية التي نادت بها الأديان، ليكون هذا الشرح مدخلا لتحديد مسؤولية رجل الدين في كيفية الحفاظ على القيم والقواعد والطقوس، خصوصا في مجتمع متعدد المذاهب والأديان والتقاليد مما يجعل من المستحيل جمع المواطنين جميعا تحت قواعد وطقوس دينية واحدة لكن من الممكن تحليل إمكانية الإلتقاء حول القيم.
في موضوع دور رجل الدين في مجتمع متعدد فإن الأمر دقيق لتحمل المسؤولية الفعلية، خصوصا أن المؤسسات الدينية تضطر الى تضييق الهامش الخاص لرجل الدين مع توسيع الهامش العام الذي ترسم هي حدوده، وهذا مبدأ إداري إحترازي يساعد المؤسسة في إبقاء رجال الدين التابعين لها ضمن المسار العام الذي يناسبها. اما ترجمة هذه السياسة فتكون عبر تعليم رجال الدين مناهج طقسية تنفيذية أكثر من تدريبهم على طريقة التحفيز الفكري الإستنباطي واستخلاص العبر من الإختبارات الشخصية التي تتلون وتختلف من شخص لآخر. وهذا في حقيقة الحال جعل من كثير من رجال الدين "موظفين" يقومون بالواحب الطقسي دون أن يفكروا بالغاية القِيَمّة وهذا ليس اتهاما ولا ظلما لهم، فلو سُئِل رجال الدين في مجتمعنا إن كانوا يقبلون دعوة الناس الى القيم دون الوسيلة الطقسية المناطة بهم لكان جواب أكثرهم سلبا (مع استثناء مَن يجاهرون بكلام مخفّف امام الآخرين ولكنهم حريصون ضمن مجتمعاتهم الخاصة) وقد يكون جوابه سلبا اما نتيجة تعلّقه بأهمية الطقس وهذا أمر طبيعي، او نتيجة شعوره أن سلطته ونفوذه الإجتماعيّين نابعان من ممارسة الطقس، مما يدل على تقديمه طقوس الدين على منظومة القيم، رغم أن الطقوس الدينية ليست غاية بحد ذاتها إنما هي وسيلة توحّد العامة في طريق واحد يُوصل الى منظومة القيم هذه، أما اذا تحولت في أذهان بعضهم الى غاية بحد ذاتها فيكون قد أضلّ الغاية وتاه في الوسيلة وهذا غير كاف رُغم أهميتها، والحقيقة أن قُدسيّة الوسيلة هي من قدسية الغاية.
وبعد إعطاء العديد من الأمثلة الإيجابية وكذلك بعض الأمثلة النقدية، تكلم عن مبدأ أدبي يدخل ضمن ثقافة التواصل اللاعنفي، فعندما يريد المحاضر أن يُعطي مثالا إيجابيا يحق له أن يُعطيه من أي مذهب أو دين آخر، اما إذا اراد أن يعطي مثالا له طابع نقدي فمن الأفضل أن يُعطيه من بيئته لا من بيئة الآخرين.
واختتم بالإستنتاج أن المسؤولية القِيَمِيَّة على رجل الدين في مجتمع متعدد تكمن في تطوير اسلوبه وتقديم رسالته الدينية على آليّته في تطبيقها، ومواجهة نفسه اذا جنحت الى حظّها من السُلطة عبر قبول من اختاروا الوصول الى القيم عبر طريق لا تمرّ بطقسه.
وقد أقيمت المحاضرة، التي حضرها عدد من الأساتذة والباحثين والطلاب، يوم الإثنين 25 حزيران 2018 في مبنى الجامعة اللبنانية – مركز الأبحاث مقابل الحبتور مول – سن الفيل.