لقراءة المقال نقلاً عن موقع المنار
ما هو سر الشيخوخة الناجحة؟، وما هو سر مؤتمر " العمر الثالث ـ التحوّلات والحقوق والسياسات"؟، لا شك بأنّه الإصرار الأكاديمي على الرغم من كل التحدّيات على إقامة المؤتمرات المنتظمة في معهد العلوم الإجتماعية في الفرع الثالث – الجامعة اللبنانية بالتعاون هذه السنة بين الجمعية اللبنانية لعلم الإجتماع وبين مركز الأبحاث في معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية.
عقد المؤتمر برعاية رئيس الجامعة اللبنانية معالي الدكتور عدنان السيّد حسين على مدى ثلاثة أيام، وألقيت 29 مداخلة من باحثين في جامعات مختلفة من لبنان، وقد تمحورت مداخلات المؤتمر حول موضوعات مختلفة تناولت "الشيخوخة في مخيال الفرد والجماعة "، و"العمر الثالث وتنوعات حالاته الاجتماعية وفق الواقع الثقافي، والإجتماعي، والإقتصادي"، و" كبار السن وأنظمة التقاعد ومسألة ضمان الشيخوخة"، و " سن التقاعد وإشكالياته مع تقدم السن وتقدّم الطب في مجالات الصحة "، و "تشيّخ فئات ومناطق مجالية في لبنان "، و"دور العمر الثالث في عملية التنمية "، و "إشكاليات دور المسنين وأنظمتها وتنوعاتها بالنسبة إلى كبار السن "، و"العمر الثالث وتحوّلات المجال المعيشي والعمراني، والثقافي والتقني".
إنطلاقًا من مقولة " كرامة المسن من كرامة مجتمعه " أكّد المؤتمرون على أنّ "المجتمع اللبناني ينحو بسرعة نحو التشيخ، ويتوقّع أن تبلغ نسبة المسنين في العام 2050 (25%) من مجموع السكان، ما سيرتّب ازدياد نسبة الإعالة فيه "، " إرتفاع معدل الإعالة المرتقب يدفع للإستفادة جديّاً من نسبة كبيرة من هذه الفئة في العملية الإنتاجية أو الإستشارية بما يساهم في التخفيف من عبء الإعالة في المجتمع اللبناني "، " هذه الفئة تضم كنوزا بشرية حيّة تختزن الكثير من التجارب والخبرات التي يتوجّب على المجتمع مهمّة وضع الأساليب وإيجاد الأطر للاستفادة منها "، و" للأسرة دورأساسي في رعاية وإحاطة هذه الفئة بالعناية التي تستحقها "، " تغيير النظرة الى هذه الفئة كفئة عاجزة، والنظر اليها كفئة غير متجانسة، فيها العجز وفيها الناشط فيها المحتاج وفيها القادر على العطاء والانتاج بكل أشكاله ".
لقد اظهر المؤتمر أيضًا مدى ضرورة " وأهمية التنسيق والتشبيك بين الوزارات المعنية وأجهزتها وبين المجتمع المحلي (البلديات، والجمعيات غير الحكومية الخ) والأسر من أجل تأمين أفضل رعاية واحتضان ممكنين للمسنين ".
إنّ كل هذه التحوّلات مجتمعة التي يعيشها كبير السن في المجتمع اللبناني هي التي أوجبت، برأي الباحثين والمؤتمرين، العمل الحثيث على مستويات متعدّدة، منها المجال التشريعي بخصوص إقرار مشروع قانون ضمان شيخوخة عصري يكفل للمسن رعاية لائقة، وأمور أخرى تستوجب رفع سن التقاعد، ووضع معايير ضابطة لمؤسّسات رعاية المسنّين، كما يستوجب العمل على تعزيز وخلق مجالات للتواصل والإندماج الإجتماعي للمسن والعمل على تطوير قدراتهم، كما في مجال الخدمات والتسهيلات الإقتصادية والسياحية والثقافية.
وكان التأكيد على ما تشكّه ظاهرة الشيخوخة من مجال خصب للعمل البحثي واحتياجات هذه الفئة وعلى صعد عدّة وضمن مجالات مختلفة، وانطلاقاً من أهيمة الإعلام في طرح القضايا وتحريك الرأي العام، تمنّى المؤتمرون على كليّات الاعلام في الجامعات في لبنان التركيز على التكوين الإعلامي المتعدّد المداخل النظرية، وإيلاء هذا التكوين في الكيفية والأولوية لإجراء التحقيقات الإجتماعية أهمية خاصة، وعدم تهميش المهمشين في المجتمع عبر تغييب قضاياهم عن الإعلام بوسائله المختلفة، كما رفع التمييز ضد كبار السن سواء في الصورة أو الرساله الاعلانية التي ما زالت تلعب دوراً كبيراً في ترسيخ الصور النمطية السلبية عن المسن وعن الشيخوخة. وستُرفع توصية الى الجهات المختصّة بالإعلام إلى وزارة الإعلام، والمجلس الوطني للإعلام، ونقابة المحرّرين، ومسؤولي محطات التلفزة والإذاعات، والشركات الإعلانية بالعمل على مكافحة كل أشكال التمييز ضد هذه الشريحة العمرية.
لقد بين المؤتمر أيضاً مدى أهمية التحضير لسن التقاعد من مرحلة العمر الأول وذلك من خلال تنمية فكرة الشيخوخة السليمة التي ترتكز على ادخال الكثير من العادات الصحية السليمة (غذاء، رياضة، نشاطات اجتماعية....) وتنمية المواهب والخبرات المتعددة التي تسمح لكبير السن توسيع إهتماماته الحياتية وحتى متابعة تثقفه، إن أراد في جامعات العمر الثالث.
وقد أكّدت منسقة المؤتمر رئيسة مركز الأبحاث في معهد العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة مها كيّال على أنّ هذا المؤتمر ما كان لينجح لولا تضافر جهود المنظّمين، والباحثين، والمموّلين، والجهات العلمية المشاركة، كما أكّدت الدكتورة كيّال على أهمية العمل جميعاً على نشر التوصيات مع الجهات المختصّة كي نضمن لبعضها النجاح، وأضافت " أنّ انتهاء المؤتمر ما هو إلاّ مرحلة أولى لا بدّ وأن تستتبعها مراحل إصدار الكتاب ونشر مضمونه العلمي في المجتمع ومع المختصّين بموضوعه كي نقدّم إنتاجاً علميّاً مفيداً للمجتمع وللعلوم الإجتماعية في آن".