لقراءة المقال كما ورد على موقع جريدة التمدن
تشكل دراسة مرحلة الشيخوخة عملًا متنوع الميادين في المقاربات البحثية. وجريًا على عادته في كل سنة دراسية، إفتتح معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية (الفرع الثالث) خلال عام 2011 محور بحث وتفكير ضمن رصيد التدريب على البحث الاستقصائي. وصدر منه الكتاب الأول. وشارك في عقد أبحاثه، د. يوسف كفروني ود. إميل مارون، ود. سوسان يونس.
ولأهمية هذا الموضوع وتشعب مجالاته البحثية تم البحث في التحضير لمؤتمر وطني يهتم بدراسة أوسع لموضوع العمر الثالث على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، النفسي، المؤسساتي، الصحي، والمدني. ولقد خُصِّص لكل بعد من هذه الأبعاد محور من محاور المؤتمر.
محاور مؤتمر العمر الثالث: التحولات، الحقوق والسياسات
إمتدَّ المؤتمر على مدار ثلاثة أيام: الثلاثاء، الأربعاء والخميس 11 و 12 و 13/ 2/ 2014، في مبنى معهد الفنون الجميلة (الفرع الثالث) في الجامعة اللبنانية.
في المحور الأول: تم الحديث عن واقع التنامي للشيخوخة والتدخلات العالمية والمحلية تجاه هذا الواقع، كما تم التركيز على البعد الثقافي في علاقة المجتمع مع الشيخوخة سواء في الصحف، الإعلانات، كما وفي الفن التصويري.
المحاضرون: د. عاطف عطية، د. مها زراقط، د. هند صوفي، د. مها كيال.
في المحور الثاني: تم تناول التمايز الكبير بين المقاربات الاحصائية والاجتماعية التي يختلف ضمنها المسن وفق متغيرات مجتمعية عدة، لا يظهرها الرقم في الأبحاث الاحصائية. كما تم عرض دراستين إجتماعيتين لحالات المتقاعدين في الجامعة اللبنانية، وفي منطقة ريفية (حالة بطرام – الكورة).
المحاضرون: د. علي موسوي، د. علي بزي، د. ليليان ديب دعيبس.
في المحور الثالث: تمّ التطرق للواقع النفس- اجتماعي للمسن، من خلال دراسات ميدانية ثلاث، تناولت الأولى أهمية الروابط المنزلية مع التقدم في العمر. أما الثانية، فتحدثت عن واقع الحالة النفس- إجتماعية للمتقاعدين في الجنوب اللبناني، وأخيرًا، تطرقت الورقة البحثية الثالثة لواقع المسنين في قرية لبنانية ساحلية (حالة الدامور).
المحاضرون: د. ماكي المعلوف، د. سحر حجازي، د. إميل مارون.
في المحور الرابع: تناولت الورقتان الأولى والثانية موضوع كبار السن وفق أنظمة التقاعد، وقضية التشريعات الاجتماعية لحماية كبار السن في لبنان. أما الورقة الثالثة فتحدثت عن الفرق بين التشريعات القانونية والإرتباطات الأسرية، وتناولت الورقة الأخيرة في هذا المحور مسألة كبار السن والإعاقة.
المحاضرون: د. إبراهيم مارون، الأستاذ إسكندر حداد، د. هويدا الترك، د. نواف كبارة.
في المحور الخامس: تمّ التطرق لموضوع المسن والصحة. حاولت الورقة الأولى إبراز أهمية تطبيق السياسات العامة التي تساعد في تمكين كبار السن من خلال المحافظة على عيشهم الكريم من حيث الصحة المثلى ونوعية الحياة الجيدة والسعيدة. وتحدثت الورقة الثانية عن الأمراض النفس إجتماعية عند كبير السن. أما الورقة الثالثة فركزت على أهم القواعد الصحية التي تؤمّن للمسن العيش بشكل سليم.
المحاضرون: د. رياض مدني، د. ناظم باسيل، د. فرانسوا صهيون.
في المحور السادس: تمّ تناول موضوع الديموغرافيا والتشيّخ في لبنان، كما مسألة العمر الثالث ودوره في تفعيّل عملية التنمية، إضافة لموضوع كبار السن ودورهم كدينامية فاعلة لكنوز بشريه، ولقد إتخذ هذا الموضوع مدينة البترون، كدراسة حالة حقلية لبحثه.
المحاضرون: د. شوقي عطيه، د. كلود عطيه، د. سوسان يونس فدعوس.
في المحور السابع: تمَّ البحث في واقع دور المسنين: أنظمتها وتنوعاتها بالنسبة لكبار السن، ولقد تمَّ اختيار دراسة حالة دور المسنين في منطقة لبنان الشمالي، كما تمَّ التطرق في هذا المحور، لدور وزارة الشؤون الاجتماعية في مسألة رعاية كبار السن في لبنان. أما الورقة الأخيرة، فلقد عرضت لواقع الجمعيات الأهلية المعنية بكبار السن في لبنان من خلال تجربة وزارة الشؤون الاجتماعية. ولقد قدّمت خلال هذا المحور تجربة جمعية العمر المديد لتبرز مدى أهمية إنشاء أندية بالنسبة لكبار السن في لبنان.
المحاضرون: د. مارلين حيدر نجار، د. فداء المصري، د. ماريانا الخياط صبوري، الاستاذة نسرين اللبان.
المحور الثامن: ركزت أوراق هذا المحور على أهمية تحولات المجال في مدن العمر الثالث، على أهمية جامعات العمر الثالث، وعلى أهمية تطوير سبل المشاركة الاجتماعية والتقنية بالنسبة لكبار السن، وأخيرًا تمَّ البحث في أهمية الرياضة لهذه الفئة العمرية من خلال دراسة ميدانية لرواد منطقة عين المريسه في بيروت.
المحاضرون: د. مصباح رجب، د. ماهر مرعبي، د. نديم منصوري، د. معضاد رحال.
أما الورقة الأخيرة التي ستتم إضافتها لآعمال المؤتمر ولأوراق هذا الكتاب، فقد صيغت بناءً على مطالبة، جرت خلال نقاشات المؤتمر، لعرض تجربة شخصية وشهادة حية لمتقاعد عايش مرحلة العبور العمرية لما يعرف بالعمر الثالث وعاش معها، على المستوى الشخصي، تحولات ذاتية.
مقدم هذا الشهادة الحية: د. شبيب دياب.
الجلسة الختامية: خُصِّصت لإدارة نقاش حول المسائل التي تمَّ طرحها خلال المؤتمر بتشعبات ميادينها ومواضيعها، ليستخلص منها توصيات من أجل تبيان مدى أهمية بناء سياسات جديدة في المجتمع اللبناني تتماشى مع التحولات المجتمعية التي تعيشها هذه الفئة العمرية في لبنان.
أدار النقاش وصاغ المقترحات: د. علي موسوي
جزء من توطئة كتاب
«العمر الثالث: التحولات, الحقوق والسياسات»
كلمة د. مها كيّال
إن هذا اللقاء الأكاديمي الذي يجمعنا اليوم لمناقشة موضوع الشيخوخة وتحديدًا منه العمر الثالث، يبين مدى إصرارنا على مواصلة بناء الفكر وتطويره لفهم قضايا المجتمع اللبناني، بالرغم من الظروف القاسية التي تعصف بهذا الوطن وتحاول إلهاءنا عن السعي إلى تأمين أساسيات الحياة.
لقد تعودنا، في معهد العلوم الاجتماعية، على تنظيم مؤتمرات شبه سنوية للبحث في شؤون متعددة تطال مدننا، ثقافتنا، كما تطال تراثنا. أما هذه المرة، فقد كانت رغبتنا في الإهتمام بالإنسان فينا، وتحديدًا بالشريحة العمرية المتقدمة في السن. إن هذا الإهتمام لم يأت بالصدفة، بل بوعي علميِّ برز من خلال أبحاث عدة قام بها زملاء في المعهد، وأظهرت مدى الحاجة إلى تعميق قراءة وفهم هذه الشريحة العمرية التي تطال الآن أو ستطال لاحقًا، كل فرد فينا، إذا ما قُدر له العمر المديد.
الكل يستشعر التحولات المجتمعية التي يعيشها كبار السن اليوم. وصحيح أن المجتمع اللبناني لم يصل بعد إلى مستوى التشيخ الديموغرافي الغربي، لكن الصحيح أيضًا أن التشيخ قد بات يهدد مجتمعنا لأسباب عدة ستناقشها، كما غيرها من مسائل العمر الثالث، أوراق هذا المؤتمر الوطني.
إن الإهتمام الأكاديمي بدراسة فئة كبار السن لم تأخذ نصيبها بعد، على غرار ما أخذته غيرها من الشرائح العمرية، ومن دراسات النوع. ولا أخفيكم أن اختيار هذه الفئة كموضوع لهذا المؤتمر قد أثار نقاشات أكاديمية حول أهمية طرحة في هذه المرحلة بالذات، في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم. لكن لا أخفيكم أيضًا كم لامس هذا الموضوع إهتمام الناس في الدراسات الميدانية، لقرب مواضيعه من هموم حياتية، باتت تشكل لهم إشكالات جديدة لا يوجد لها جواب واضح في ثقافتهم المعيشية المتوارثة؛ هموم تحتاج لفهم واستيعاب وابتكار لنظم وقوانين ووسائل وأساليب جديدة تساعد في معالجتها وفي وعيها كما وفي التكيف الاجتماعي الجديد معها. إن هذا الأمر هو الذي شجعنا على المضي في التحضير لهذا المؤتمر وشجعنا أكثر في الاصرار على إنعقاده ظنًا منّا أن الإهتمام بالإنسان ربما قد يعيدنا لوعي مدى قدسية الروح وحقها بالعيش الكريم، المطمئن، والآمن مهما تقدم العمر.
(جزء من كلمة د. كيّال في إفتتاح المؤتمر)
كلمة د. عاطف عطيه
هذا هو مؤتمرنا العلمي السادس الذي ينعقد بمشاركتكم ودعمكم وحضوركم. مؤتمر يفصح عن اهتمام مخصوص، ودراسات متفحصة تتناول شؤون الناس الذين دخلوا من باب العمر الثالث، أو كادوا، لنتعرف إلى خصائصهم ومميزاتهم، كما إلى مشاكلهم وتحولات حياتهم، والسياسات المتبعة لرعايتهم والاهتمام بهم.
ليس من الجديد في شيء، القول أن التطورات العالمية، الصحية وغيرَها، أوصلت إلى زيادة في أعمار السكان. وأعطت للناس فسحة مديدة من العيش، في ظل تقدم علمي وتكنولوجي وصحي كبير، ما كان يتيسّر في الماضي القريب من السنين.
ولكن هذه التطورات أفسحت في المجال لبروز مشاكل إنسانية جديدة متأتية من العمر المديد ومن تكاليف الاهتمام والرعاية والعناية بالمسنين؛ هذه الفئة العمرية التي قضت معظم سنين حياتها في العمل والانتاج، وبذلت نشاطاتها وقدّمت عناياتها في مجالات الخدمة العامة، أو المهنة، أو تربية الأبناء في الأسرة، ووصلت في مرحلة تقدمهم في العمر إلى حالة من عدم القدرة على الاستمرار في كل ما كانوا عليه.
هذه المرحلة العمرية التي اصطلح على تسميتها بالعمر الثالث، تمييزًا لها عن المرحلة الأولى من التنشئة، الاسرية والاجتماعية والتربوية والعلمية، المتصفة بالاستهلاك، وتعدّ إلى الدخول في مرحلة الانتاج والنشاط في أقصى قدرته؛ وعن المرحلة الثانية المتصفة بالانتاج والنشاط والحركة الدائمة في المجالات كافة؛ هذه المرحلة العمرية الثالثة، أقول، يتخللها أيضًا مراحل متلاحقة ومتسارعة تُفضي في آخرها إلى مغادرة الحياة. ولا رادّ لحكم القدر.
جاء مؤتمرنا هذا، ليضيء على هذه المرحلة العمرية التي تبدأ في الخامسة والستين من العمر. والاضاءة هنا، تشمل المفهوم، والنظريات المتعلقة بكبار السن، وكيفية التعامل معهم، وسياسات الاهتمام بهم، والتوجه العالمي الحديث في معالجة المشكلات المتأتية عن التزايد المتسارع لكبار السن، والتداعيات المترتبة على ذلك. هذا كله يعني أن العالم، بمتقدميه والسائرين في طريق النمو، يسير بخطى حثيثة نحو الشيخوخة، ونحو عرقلة عملية التنمية.
(جزء من كلمة د. عطيه في إفتتاح المؤتمر)