لقراءة المقال كما ورد في جريدة الأخبار
إشكاليتان رئيسيتان برزتا في مؤتمر «المرصد الثقافي وسياسات المتاحف» الذي افتتح يوم أول من أمس في معهد العلوم الاجتماعية في طرابلس، وطرحتا الكثير من التساؤلات التي بقي معظمها بلا أجوبة شافية.
الإشكالية الأولى التي طرحت في مؤتمر وُصف بأنه الأول من نوعه في لبنان، تمثّلت في إمكان ترجمة التوصيات التي سيخرج بها إلى واقع على الأرض. هذه النقطة عبّر عنها لـ«الأخبار» مدير المعهد د. عاطف عطية، الذي أمل أن «تجد توصيات المؤتمر مؤسسة معينة، تعنى بكل ما له علاقة بالتراث الشعبي على كل المستويات، وتصنيفها ووضعها في المكان اللائق، بما يمكن أن نسمّيه متحفاً»، مقترحاً «التعاون مع بلدية طرابلس لإيجاد هذا النوع من المتاحف، لحفظ تراث المدينة».
أما الإشكالية الثانية، فتمثّلت في بروز اعتراض من داخل المعهد بسبب تنظيم مؤتمر مماثل، وهو ما أشار إليه المحاضر في المعهد د. جوزف عبد الله في مقال له بعنوان: «بئس العلماء على أبواب الأمراء»، دعا فيه أساتذة المعهد وطلابه إلى مقاطعة المؤتمر، متسائلاً: «ما علاقة السوسيولوجيا بتاريخ المتاحف وطرق إدارتها؟»، ومع «أنساق العمارة وشروط البناء المتحفي وطرق ترميم المتاحف، وغيرها من الأمور التي لها مشروعيتها في كليات الهندسة والتاريخ ومعاهد الآثار؟».
على الرغم من ذلك تميّز المؤتمر بحضور أكاديمي لافت، وقد أكد عطية أهمية المؤتمر بالقول إنه «يتيح التعاون مع المؤسسات الرسمية والمدنية المرتبطة بكلّ ما له علاقة بتطور طرابلس وأحوالها، والتعاطي مع مشاكلها على نحو علمي وموضوعي للتعاون على معالجتها، من خلال إيجاد الوسائل اللازمة لحلها، وتقديم البدائل والسبل الكفيلة وتطبيقها عملياً»، كما أشار إلى أن «المؤتمر يتناول الموروث الثقافي للمدينة، من أجل حفظه وتدوينه وعرضه في أماكن خاصة كالمتاحف».
وسط هذه الآراء افتتح المؤتمر، وقد عرّف د. إميل مارون أهدافه بأنها «سعي إلى تلمّس الرصد الثقافي من خلال اليومي المعيش في المجتمع الافتراضي»، ثم أشارت منسّقة المؤتمر د. مها كيال إلى أن «هذه الثروة الإنسانية المشتركة والمتنوعة، ما زالت تضعنا أمام تحدّيات اكتشاف مصادر ومعارف وابتكارات إنسانية جمة».
وبعد كلمة لعطية، ألقى د. جورج نحاس كلمة جامعة البلمند، التي رأى فيها أن موضوع المؤتمر «يضع نصب أعيننا إشكالية حقيقية تتمثل في تهميش الثقافة وتشويهها من جهة، والتعبّد للماضي أو تجاهله الكلي من جهة أخرى»، ثم ألقت د. سميرة بغدادي كلمة مؤسسة الصفدي، التي لفتت فيها إلى أن طربلس «الغنية بتراثها التاريخي، ليس فيها متحف يليق بعراقتها». د.عبد الإله ميقاتي ألقى كلمة باسم جمعية العزم والسعادة، رأى فيها أن المتاحف «تعبّر عن فكر وفلسفة اجتماعية، وركيزة ثقافية تميّز كل بلد عن الآخر»، أما مسؤول قطاع الثقافة في اليونسكو جوزف كريدي، فأشار إلى أن الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي صدر عام 2001، يضع هذا التنوع «في مصاف التراث المشترك للإنسانية».
رئيس بلدية طرابلس نادر غزال رأى أن طرابلس وبقية المدن «تواجه تحدّياً في هذا المجال، لأننا نعاني تصحّراً ثقافياً وجفافاً خلقياً، ومن هنا تأتي أهمية سبر أغوار ثقافة إرثنا، وإقامة المتاحف الثقافية». أما عميد معهد العلوم الاجتماعية د. فرديريك معتوق، الذي ألقى كلمة باسم رئيس الجامعة د. عدنان السيد حسين، فرأى أننا «بدأنا ننتقل من الفكر التعليمي إلى الفكر العلمي، وهنا تحديداً تكمن أهمية هذا المؤتمر، الذي يمثّل بحد ذاته ظاهرة اجتماعية جديدة».
أعمال المؤتمر
عقد المؤتمر على مدى ثلاثة أيام متتالية. وشهد اليوم الأول 3 جلسات، حملت عناوين: «الرصد الثقافي وأهمية الشراكة المؤسساتية»، «مواضيع وطرائق في خدمة الرصد الثقافي»، و«البحث الافتراضي والتوثيق النوعي والرصد الثقافي».
اليوم الثاني شهد 3 جلسات أيضاً: «التراث الأُحادي الشفوي: أهمية دلالاته وطرائق جمعه»، «المراصد الثقافية ودورها في رسم السياسات الثقافية والعمرانية»، و«في تاريخية المتاحف وطرائق إدارتها».
أما اليوم الثالث، فقد شهد جلستين: «أنساق العمارة، شروط البناء المتحفي والمادة المتحفية» و«المتحف والذاكرة في مقاربة تنموية متنوعة». وطرحت الجلسة الختامية «اقتراحات لبناء شراكة مؤسساتية هدفها الرصد الثقافي والتنمية الثقافية».